الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).
.تفسير الآيات (20- 32): {وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)}{ولا الظلمات ولا النور} يعني الكفر والإيمان {ولا الظل ولا الحرور} يعني الجنة والنار وقال ابن عباس: الحرور الريح الحارة بالليل والسموم بالنهار {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} يعني المؤمنين والكفار وقيل العلماء والجهال {إن الله يسمع من يشاء} يعني حتى يتعظ ويجيب {وما أنت بمسمع من في القبور} يعني الكفار شبههم بالأموات في القبور لأنهم لا يجيبون إذا دعوا {إن أنت إلا نذير} أي ما أنت إلا منذر تخوفهم النار {إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً} يعني بشيراً بالثواب لمن آمن ونذيراً بالعقاب لمن كفر {وإن من أمة} أي من جماعة كثيرة فيما مضى {إلا خلا} أي سلف {فيها نذير} أي نبي منذر. فان قلت كم من أمة في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يخل فيها نذير. قلت: إذا كانت آثار النذارة باقية لم تخل من نذير إلا أن تندرس، وحين اندرست آثار رسالة عيسى عليه السلام بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم وآثار نذارته باقية إلى يوم القيامة لأنه لا نبي بعده {وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات} أي بالمعجزات الدالة على نبوتهم {وبالزبر} أي الصحف {وبالكتاب المنير} أي الواضح قيل أراد بالكتاب التوراة والإنجيل والزبور وقيل ذكر الكتاب بعد الزبر تأكيداً {ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء} يعني المطر {فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها} يعني أجناسها من الرمان والتفاح والتين والعنب والرطب ونحوها وقيل يعني ألوانها في الحمرة والصفرة والخضرة وغير ذلك مما لا يحصر ولا يعد {ومن الجبال جدد بيض وحمر} يعني الخطط والطرق في الجبال {مختلف ألوانها} يعني منها ما هو أبيض ومنها ما هو أحمر ومنها ما هو أصفر {وغرابيب سود} يعني شديدة السواد كما يقال أسود غربيب تشبيهاً بلون الغراب {ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه} يعني خلق مختلف ألوانه {كذلك} يعني كاختلاف الثمرات والجبال وتم الكلام ها هنا، ثم ابتدأ فقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال ابن عباس يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني وقيل: عظموه وقدروا قدره وخشوه حق خشيته ومن ازداد به علماً ازداد به خشية.(ق) عن عائشة قالت صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال: «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية» قولها فرخص فيه أي لم يشدد فيه قولها فتنزه عن أقوام أي تباعد عنه وكرهه قوم.(ق) عن أنس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجوههم لهم خنين الخنين بالخاء المعجمة، هو البكاء مع غنة وانتشاق الصوت من الأنف وقال مسروق كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار بالله جهلاً وقال رجل للشعبي أفتني أيها العالم فقال الشعبي إنما العالم من خشي الله عز وجل وقال مقاتل أشد الناس خشية لله أعلمهم به، وقال الربيع بن أنس: من لم يخش الله فليس بعالم {إن الله عزيز} أي من ملكه {غفور} يعني لذنوب عباده وهو تعليل لوجوب الخشية لأنه المثيب المعاقب وإذا كان كذلك فهو أحق أن يخشى ويتقى. قوله عز وجل: {إن الذين يتلون كتاب الله} أي يداومون على قراءته ويعلمون ما فيه ويعملون به {وأقاموا الصلاة} أي ويقيمون الصلاة في أوقاتها {وأنفقوا مما رزقناهم} يعني في سبيل الله {سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور} يعني لن تفسد ولن تهلك والمراد من التجارة ما وعد الله من الثواب {ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} قال ابن عباس سوى الثواب يعني مما لم تر عين ولم تسمع أذن {إنه غفور شكور} قال ابن عباس: يغفر العظيم من ذنوبهم ويشكر اليسير من أعمالهم {والذي أوحينا إليك من الكتاب} يعني القرآن {هو الحق مصدقاً لما بين يديه} يعني من الكتب {إن الله بعباده لخبير بصير}.قوله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب} يعني أوحينا إليك الكتاب وهو القرآن ثم أورثناه يعني حكمنا بتوريثه وقيل أورثناه بمعنى نورثه {الذين اصطفينا من عبادنا} قال ابن عباس يريد أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الله اصطفاهم على سائر الأمم واختصهم بكرامته بأن جعلهم أتباع سيد الرسل وخصهم بحمل أفضل الكتب ثم قسمهم ورتبهم فقال تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} روي عن أسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلهم من هذه الأمة» ذكره البغوي بغير سند وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية «{ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} قال هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة» أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن غريب. وعن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية على المنبر {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له» قال أبو قلابة أحد رواته فحدثت به يحيى بن معين فجعل يتعجب منه أخرجه البغوي بسنده وروي بسنده عن ثابت: أن رجلاً دخل المسجد فقال اللهم ارحم غربتي وآنس وحشتي وسق إلي جليساً صالحاً فقال أبو الدرداء لئن كنت صادقاً لأنا أسعد بك منك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} قال: «أما السابق بالخيرات فيدخل الجنة بغير حساب وأما المقتصد فيحاسب حساباً يسيراً وأما ظالم لنفسه فيحبس في المقام حتى يدخله الهم ثم يدخل الجنة» ثم قرأ هذه الآية: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} وقال عقبة بن صهبان: سألت عائشة عن قول الله عز وجل: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} الآية. فقالت: يا بني كلهم في الجنة أما السابق فمن مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وأما المقتصد فمن تبع أثره من أصحابه حتى لحق به، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم، فجعلت نفسها معنا وقال ابن عباس: السابق المؤمن المخلص والمقتصد المرائي والظالم الكافر، نعمة الله غير الجاحد لها لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة فقال {جنات عدن يدخلونها} وقيل الظالم هم أصحاب المشأمة والمقتصد أصحاب الميمنة، والسابق هم السابقون المقربون من الناس كلهم وقيل: السابق من رجحت حسناته على سيئاته، والمقتصد من استوت سيئاته وحسناته والظالم من رجحت سيئاته على حسناته وقيل الظالم من كان ظاهرة خيراً من باطنه والمقتصد الذي استوى ظاهره وباطنه والسابق الذي باطنه خير من ظاهره وقيل الظالم التالي للقرآن ولم يعمل به والمقتصد التالي له العامل به والسابق القارئ له العالم به العامل بما فيه وقيل الظالم أصحاب الكبائر والمقتصد أصحاب الصغائر والسابق الذي لم يرتكب صغيرة ولا كبيرة وقيل الظالم الجاهل، والمقتصد المتعلم والسابق العالم. فان قلت لم قدم الظالم ثم المقتصد ثم السابق. قلت: قال جعفر الصادق بدأ بالظالمين إخباراً بأنه لا يتقرب إليه إلا بكرمه، وأن الظلم لا يؤثر في الاصطفاء ثم ثنى بالمقتصدين، لأنهم بين الخوف والرجاء ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكره، وكلهم في الجنة وقيل رتبهم الترتيب على مقامات الناس، لأن أحوال العباد ثلاثة معصية وغفلة ثم توبة، ثم قربة فإذا عصى الرجل دخل في حيز الظالمين، فاذا تاب دخل جملة المقتصدين فاذا صحت توبته وكثرت عبادته ومجاهدته دخل في عداد السابقين وقيل قدم الظالم لكثرة الظلم وغلبته ثم المقتصد قليل بالاضافة إلى الظالمين، والسابق أقل من القليل فلهذا أخرهم ومعنى سابق بالخيرات أي بالأعمال الصالحة إلى الجنة، أو إلى رحمة الله {بإذن الله} أي بأمر الله وإرادته {ذلك هو الفضل الكبير} يعني إيراثهم لكتابن واصطفاءهم ثم أخبر بثوابهم..تفسير الآيات (33- 35): {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)}فقال تعالى: {جنات عدن يدخلونها} يعني الأصناف الثلاثة {يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير} تقدم تفسيره {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال ابن عباس حزن النار وقيل حزن الموت وقيل حزن الذنوب والسيئات وخوف رد الطاعات وأنهم لا يدرون ما يصنع بهم وقيل حزن زوال النعم وتقليب القلوب وخوف العاقبة وقيل حزن أهوال يوم القيامة وهموم الحصر والمعيشة في الدنيا وقيل ذهب عن أهل الجنة كل حزن كان لمعاش أو معاد. روى البغوي بسنده عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في نشورهم وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن» {إن ربنا لغفور شكور} يعني غفر العظيم من الذنوب وشكر القليل من الأعمال {الذي أحلنا} يعني أنزلنا {دار المقامة} أي الإقامة {من فضله} أي لا بأعمالنا {لا يمسنا فيها نصب} أي لا يصيبنا فيها عناء ولا مشقة {ولا يمسنا فيها لغوب} أي إعياء من التعب..تفسير الآيات (36- 43): {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)}قوله تعالى: {والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا} أي فيستريحوا مما هم فيه {ولا يخفف عنهم من عذابها} أي من عذاب النار {كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون} أي يستغيثون ويصيحون {فيها} يقولون {ربنا أخرجنا} أي من النار {نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل} أي في الدنيا من الشرك والسيئات فيقول الله تعالى توبيخاً لهم {أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} قيل: هو البلوغ وقيل ثمان عشرة سنة وقيل أربعون سنة وقال ابن عباس ستون سنة ويروى ذلك عن علي وهو العمر الذي أعذر الله تعالى لابن آدم.(خ) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعذر الله إلى كل امرئ آخر أجله حتى بلغ ستين سنة» عنه بإسناد الثعلبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين» {وجاءكم النذير} يعني محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن قاله ابن عباس: وقيل هو الشيب والمعنى أو لم نعمركم حتى شبتم. ويقال الشيب: نذير الموت وفي الأثر «ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها استعدي فقد قرب الموت» {فذقوا} أي يقال لهم ذوقوا العذاب {فما للظالمين من نصير} أي لهم من مانع يمنعهم من عذابه {إن الله عالم غيب السموات والأرض إنه عليم بذات الصدور} يعني إنه إذا علم ذلك هو أخفى ما يكون، فقد علم غيب كل شيء في العالم. قوله تعالى: {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} أي يخلف بعضكم بعضاً وقيل جعلكم أمة خلفت من قبلها من الأمم ورأت ما ينبغي أن يعتبر بهن وقيل جعلكم خلفاء في أرضه وملككم منافعها مقاليد التصرف فيها لتشكروه بالتوحيد والطاعة {فمن كفر} أي جحد هذه النعمة وغطمها {فعليه كفره} أي وبال كفره {ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً} يعني غضباً وقيل المقت أشد البغض {ولا يزيد الكافرين كفرم إلا خساراً} يعني في الآخرة {قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله} يعني الأصنام جعلتموها شركاء بزعمكم {أروني ماذا خلقوا من الأرض} يعني أي جزء استبدوا بخلقه من الأرض {أم لهم شرك في السموات} أي خلق في السموات والأرض {أم آتيناهم كتاباً فهم على بينة منه} أي على حجة وبرهان من ذلك {بل إن يعد الظالمون بعضهم} يعني الرؤساء {بعضاً إلا غروراً} يعني قولهم هؤلاء الأصنام شفعاؤنا عند الله. قوله عز وجل: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} يعني لكي لا تزولا فيمنعهما من الزوال والوقوع وكانتا جديرتين بأن تزولا وتهدهد العظم كلمة الشرك {ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده} يعني ليس يمسكهما أحد سواه {إنه كان حليماً غفوراً} يعني غير معاجل بالعقوبة حيث أمسكهما وكانتا قد همتا بعقوبة الكفار لولا حلمه وغفرانه {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} يعني كفار مكة وذلك لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم وأقسموا بالله لو جاءنا نذير لنكونن أهدى ديناً منهم وذلك قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعث محمد كذبوه فأنزل الله هذه الآية: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} {لئن جاءهم نذير} يعني رسول {ليكونن أهدى من إحدى الأمم} يعني اليهود والنصارى {فلما جاءهم نذير} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {ما زادهم} مجيئه {إلا نفوراً} يعني تباعدا عن الهدى {استكباراً في الأرض} يعني عتواً وتكبراً عن الإيمان به {ومكر السيئ} يعني عمل القبيح وهو اجتماعهم على الشرك وقيل هو مكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} يعني لا يحل ولا يحيط إلا بأهله فقتلوا يوم بدر قال ابن عباس عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن أشرك {فهل ينظرون} أي ينظرون {إلا سنة الأولين} يعني أن ينزل العذاب بهم كما نزل بمن مضى من الكفار {فلن تجد لسنة الله تبديلاً} أي تغييراً {ولن تجد لسنة الله تحويلاً} أي تحويل العذاب عنهم إلى غيرهم.
|